حبيبي، كنا سنقتل في انفجار اليوم في بيروت لو رضيت أن تستيقظ باكراً وتتنزه معي في وسط المدينة إذ نتوجه نحو مقهى جديد اكتشفته مؤخراً في شرق المدينة وانتظرت بفارغ الصبر أن أريك إياه.
حبيبي، لو متنا سوية لكانوا اعتبرونا شهداء الحب. أو ربما لن يعرف أحد الحقيقة، وهي أني جررتك من نومك الى الموت. لن يعرفوا حتى أسماءنا، كما لم يعرفوا اسم الجندي اللبناني الذي قتل الأسبوع الفائت جندياً محتلاً.هو لم يصبح بطلاً فنحن لا نعرف عنه سوى أنه من عكار. ليس هنالك أبطال في عكار.
لو متنا حبيبي لكانوا عرضوا أشلاءنا على التلفاز ولقالت المذيعة بصوت يرتجف "نعتذر عن هذه المشاهد القاسية والقوية." ولكانت دمعت عينا امرأة حساسة تشاهد التلفاز وهي تضم مسند أريكتها وتقول: "يا حرام، هول، ماتوا بالغلط." ولكانت غضبت شابة وكتبت على الفايسبوك بأن إعلامنا مقيت وفاسد ولا يحترم الموتى، غير مدركة بأنني لو مت لوددت أن تعرض جثتي وتنشر عبر العالم، فأنا فنانة يستهويني الأداء الحي في الأماكن العامة. طبعاً الأداء في هذه الحالة لن يكون حياً بل ميتاً لكنني كنت سأريده علنياً أيضاً. لن تعرف كل هذا الناشطة الفايسبوكية ولن تعرفه المرأة الحساسة على الأريكة. لن يعرفه أحد لأننا، أنت وأنا، قد نكون متنا "بالغلط" دون أسماء ودون الضجيج الذي يرافق استشهاد السياسيين. نحن زيادة عدد على موت المشاهير. نحن لا يشكل مقتلنا "رسالة" يرسلها أحدهم لأحدهم عبر أجسادنا.
حبيبي، كيف ندعو أنفسنا نشطاء ونحن لا نحرك جفناً كل مرة يموت فيها أناس من حولنا "بالغلط." لا نتعرف على أسمائهم ولا نوثق صورهم ولا نبحث في أرشيفهم ولا نستكشف أحلامهم المستقبلية. لا نصنع عنهم الأفلام ولا نعطي أهلهم وقتاً كافياً على الهواء ليصبوا غضبهم على آلهة هذا الوطن اللعين.
حبيبي، لمن الأشلاء القابعة على الرصيف الآن بالقرب من منزلي؟ كيف سمعت صوت الانفجار الذي أطاح بأجسادهم وحياتهم ولا أعرف شيئاً آخر عنهم. يحاصرني الموت من تحت النافذة، من صور أصدقاء رحلوا عن هذه الأرض، من مشاريع أعمل عليها لتوثيق تاريخ شفوي من الثورة السورية، من روايات تنشر كل سنة في بيروت ولا تتناول سوى الحروب ودائماً تقتل شخصياتها ثم تأتي لتحتل كوابيسي. يحاصرني الموت من جميع وسائل التواصل الاجتماعي. صور، صور، أشلاء، أشلاء. دم من العراق إلى الشام مرورأ بالبحرين وركوداً في فلسطين.
لا شيء يريحني الآن سوى أنك كسول في الصباح وتفضل النوم على الخروج معي الى حيث كنا سنقتل. عليك أن تبقى كسولاً.